تعلم سياسة المناخ على أرض الواقع
من يعرفني يعلم أنني شغوف بالعلوم و البيئة من نعومة أضافري. و لطالما علمت و رأى غيري أن ميولي العلمية ستتجسد في مسار مهني يتوافق مع تلك الميول.
و لكنني بعد حضور اليومين الأولين من الدورة الثامنة عشر من مفاوضات الأمم المتحدة لتغير المناخ و التي تقوم بدورتها الحالية في الدوحة في دولة قطر إكتشفت على أرض الواقع أن الإهتمام بالبيئة و الإنخراط في البحث العلمي لا يعنيان شيئا إن لم يتحول العالم أو المهندس أو الفني إلى ناشط واسع الحيلة و سياسي محنك بأسرع وقت ممكن.
حاول زملائي في حركة الشباب العربي للمناخ ممن كانت لهم خبرة في دورات سابقة تبصيري نحو ما يمكن توقع حدوثه في هذه المفاوضات العالية المستوى و حقيقة أشكر لهم سعيهم في تجهيزي و زملائي الآخرين ممن تنقصهم الخبرة أيضا. و لكن الحق يقال بأن المرء لن يحس بحقيقة ماهية هذه المحادثات حتى يعبر تلك البوابة و يتوه في هذا العالم الذي قل من توقع أن يجد نقسه فيه.
من يحاول إستيعاب الكم المعلوماتي الهائل و أفواج الوفود المتحركة في كل حدب و صوب و عشرات الجلسات و المناقشات و المفاوضات و ورشات العمل من دون تندريب سابق في سياسات الدول فإنه سرعان ما يكتشف أنه يحب عليه أن يتعلم مجموعة مهارات جديدة في أقل وقت ممكن و إلا فإن مساعيه و مساعي من يعتمدون عليه من زملائه ستبوء بالفشل الذريع.
في هذه المفاوضات لكل كلمة وزنه و لكل حركة ثقلها. و ما لا يقال قد يؤثر أكثر مما يقال و هنا يكمن مربط الفرس، ففي هذه المفاوضات يصبح كيانك بأكمله أداة للتغيير أو التدمير و يجب أن يحسب لكل كلمة أو تصرف ألف حساب.
حيث أننا في حركة الشباب للمناخ قد نعتبر أول فوج شبابي عربي يحضر مفاوضات بيئية على هذا المستوى من العالمية فسرعان ما أصبحنا أخر صيحة في هذا النطاق و أصبح الجميع ينظرون إلينا بتمعن و يتمعنون في إحتمالات تأثيرنا على أجنداتهم سواء بقصد أو بدون قصد. قد يبدو هدفنا بسيطا في الفظ رغم مضمونه الثقيل: نطالب الدول العربية بإتخاذ موقف قيادي في هذه المفاوضات و تبني تعهدات تطوعية بالحد من إنبعاثات الغازات الدفيئة التي تهدد العالم بأسره. سرعان ما إكتشفنا أن السعي وراء هذه المطالب يجلب معه تحديات عدة.
جابهت بنفسي بعض تلك المواقف، فقد طلب مني تقديم مقابلات إذاعية لنشر رسالتنا المذكورة أعلاه و في إحدى هذه الجلسات وجدت نفسي وجها لوجه مع أحد المفاوضين من أحد الدول العربية الشقيقة. أصبحت على مرحلة من التأهب و الحذر حيث أن كلامي يصل مباشرة إلى مسامع أحد الأشخاص الذي لديه القدرة على التغيير أو توفير الدعم اللازم. في الماضي حين كنت أقابل شخصيات من مستوى شبيه فإنني كنت التزم الصمت أكثر من الكلام. و لكنني الآن بت صاحب قضية و توجب علي تبنيها و الاهتمام بها و عدم تعريضها للخطر. وجدت أن تدريبي العلم لن يسعفني من قول الشيء الخاطيء الذي قد يضر بمساعيي الشخصية و مساعي زملائي الذين يشاركونني في الأهداف.
أجد نفسي أتحول إلى إعلامي و محامي و محلل سياسي في آن واحد و بسرعة مبهرة، و البقية تأتي بكل تأكيد.
و في موقف آخر كاد أن يحدث م لا يحمد عقباه فإن جموح الشباب طغى على العقلانية إلى حد ما. حيث أنني و بعض الزملاء من قليلي الخبرة قرروا تنفيذ إنتقاد صامت على إحدى قرارات أحد المجالس المعنيىة بمعطيات المؤتمر. كانت أهدافنا سامية و مساعينا صادقة و لكن لولا العناية الإلهية و من ثم سرعة التصرف من بعض الزملاء المحنكين و سرعة ردة الفعل من طرف اللآخرين لكنا أثرنا سلبيا على مساعيي الشخصية و مساعي زملائي و شركائنا اللآحرين. وجدت نفسي تحت وابل من الدروس السياسية و الإدارية و القانونية التي وجب استيعابها و الاستفادة منها.
عزيزي القاريء خلاصة أقول إن الاهتمام بالبيئة لم يعد يكفي و حده، فإن أردت إحداث التغيير على مستويات عالية فإنه حري بك أن تصبه ما يسممي ب “رجل نهضة” أو بما معناه أن تكون متمرسا في كذا نطاق، فإن الخبرة العلمية قد لا تعني شيئا بحد ذاتها و لكن يجب على المرء أن يتحلى بمجموعة مهارات تكمل و تتمم نشاطه و مساعيه.
عبدالله سيف
(حركه الشباب من اجل المناخ)




About the author
Mostafa Medhat (مصطفى مدحت)Mostafa Medhat is a young environmental activist and campaigner from Alexandria, Egypt. His aim is to create a strong and educated generation of leaders for a sustainable present and future that would make the world a better place. He goes by the motto ‘’ aspire inspire before he expires